سورة البقرة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


ان أمر الخليقة، وكيفية تكوين هذا الكون على هذه الصورة. وخلق الحياة فيه. لهي من الشئون الإلَهية التي حيّرت العقول. والتي يعزّ الوقوف عليها كما هي. وقد قص الله علينا في هذه الآيات خبر النشأة الانسانية بطريقة لطيفة. ومثّل لنا المعاني في صور محسوسة وأبرز لنا الحِكم والأسرار بأسلوب المناظرة والحوار.
ويعتبر بعض العلماء هذا النوع من القصص في القرآن من المتشابه الذي لا يمكن حمله على ظاهره. ذلك أن هذه الآيات بحسب قانون التخاطب إما أن تكون استشارة. وذلك محال على الله تعالى. وإما أن يكون إخباراً منه سبحانه وتعالى للملائكة واعتراضاً منهم ومحاجّة وجدالا، وذلك لا يليق بجلال الله ولا بملائكته الذين {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وللعملاء في هذا النوع من المتشابه طريقتان:
الاولى: طريقة السلَف وهي التنزيه كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] وتفويض الأمر إلى الله تعالى في فهم حقيقة ذلك، مع العلم بأن الله يعلّمنا بمضمون كلامه ما نستفيد به من أعمالنا، ويأتينا في ذلك بما يقرّب المعاني من عقولنا ويصروها لمخيّلاتنا.
والثانية: طريقة الخلَف وهي التأويل، يقولون: إن قواعد الدين الاسلامي وُضعت على أساس العقل. فمن ثمَ لا يخرج شيء منها عن العقول، فإذا ورد في القرآن أو الحديث شيء يخالف العقل حسُن تأويله حتى يقرب إلى الأذهان.
وعلى هذا قالوا: إن قصة الخلق انماوردت مورد التمثيل لتقريبها من أذهان الناس، ولفْهم حالة خَلق الإنسان وحال النشأة الاولى. لذا بيّن الله سبحانه انه هو الذي أحيا الإنسان ومكّن له في الأرض، ثم بين بعد ذلك أصل تكوين الإنسان وما أودع فيه من عِلم الأشياء وذكّره به.. فاذكر يا محمد نعمةً أخرى من ربك على الانسان، وهي أنه قال للملائكة: إني جاعل في الأرض من أمكّنه فيها وأجعله صاحب سلطان، وهو آدم وذريته. وإنها لمنزلة عظيمة وتكريم كبير لهذا الانسان!
فاستفهم الملائكة عن سر ذلك قائلين: أتجعل في الأرض من يُفسد فيها بالمعاصي وسفك الدماء بالعدوان، لما في طبيعته من شهوات، بينما نحن ننزهك عما لا يليق بعظمتكم ونطهّر ذكرك ونمجّدك؟ فأجابهم الله بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون، من المصلحة في ذلك. لقد أودعتُ فيه من السر ما لم أودعه فيكم.
وفي هذا ارشاد للملائكة وللناس ان يعلموا أنّ أفعاله تعالى كلّها بالغةٌ غايةَ الحكمة والكمال، وإن لم يفهموا ذلك من أول وهلة.
وقال فريق من المفسرين: إن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء} يُشعر بأنه كان في الأرض صنفٌ أو أكثر من نوع الحيوان الناطق، وانه كان قد انقرض يوم خلْق الاسنان، وقدّر الملائكةُ ان الصنف المستخلَف الجديد، أي آدم وذريته، لن يسلك الا مثل ما سلك سابقوه، وقاسوا فعله اللاحق على فعل السلف السابق، من إفساد وسفك دماء..
من ثم استنبطوا سؤالهم وكأنهن اعتراض، مع انه تقرير مبني على قياس. واذا صحّ هذا فليس آدم أول الصنف العاقل من الحيوان على هذه الأرض، وانما كان أول طائفة جديدة من الحيوان الناطق تماثل الطائفة البائدة منه في الذات والمادة، كيما يصح القياس.
وهذه الآية تجلّي حجة الرسول ودعوته من حيث أنه: إذا كان الملائكة محتاجين إلى العلم ويستفيدونه بالتعلم من الله تعالى بالطريقة التي تناسب حالهم، فإن البشر أولى منهم في إنكار مال لم يعرفوه حتى يعلموا؛ وأن الافساد في الأرض وجحود الحق ومناصبه الداعي اليه العداءَ ليس بدعاً من قريش، وانما هو طبيعة البشر.
والملائكة والملائك جمع مَلك نؤمن بوجودهم ولا نعرف عنهم الا ما ورد في الكتاب. إنهم أرواح علوية مطهّرة، يعبدون الله، لا يعصون الله ما أمَرَهُم ويفعلون ما يُؤمرون. ولفظة ملَك في اللغة مَعناها الرسالة. ويقول الطبري: سُميت الملائكة ملائكةً بالرسالة لأنه رُسل الله إلى أنبيائه.
نسبّح بحمدك: نصلّي لك، وننزهك ونبرّئك مما يضيفه اليكم أهل الشرك. ونقدس لك: نعظّمك ونمجّدك. وكل ذلك اقراراً بالفضل وشكرانا لله على خلقهم.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا..} الآية آدم أبو البشر، وجمعُه أوادم، يجوز أن يكون لفظه عربيا. واشتقاقه من الأُدمة، وهي السُّمرة الشديدة، أو من أديم الأرض أي قشرتها لأنه خُلق من تراب: إن الله خلق آدم من قبضة قَبَضَها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منه الأحمر والأبيض وبين ذلك، والسهلُ والحزن، والخبيث والطيب.
قال السهيلي في الروض الأُنُف: قيل؛ ان آدم عربي، أوعبراني، أو سرياني (وهذا ظنّ مردود، والحقيقة لا يعلمها غلا الله). وعلّمه اسماء جميع الأشياء وخواصها، وأودع في نفسه علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين (ونحن نصرف ذلك إلى انه أودع فيه القدرة على الإدراك والتمييز، لا علّمه لفظاتٍ معينة في لغة بعينها). وبعد أن علّمه أسماء الأشياء وخواصها ليتمكن في الأرض عرض هذه الأشياء على الملائكة وقال لهم: أخبروني بأسماء هذه الأشياء وخواصها ان كنتم صادقين في ظنّكم أنكم أحقُّ بخلافة الأرض من هذا المخلوق الجديد، انطلاقا من واقع طاعتكم لي وعبادتكم إياي. فقالوا: سبحانك ربنا، إننا ننزهك التنزيه اللائق بك، ونقر ونعترف بعجزنا، فلا علم عندنا الا ما وهبتنا إياه، انك أنت العالم بكل شيء، والحكيم في كل أمر تفعله.
فلما اعترفوا بعجزهم قال الله تعالى لآدم: أخبرهم يا آدم بهذه الأشياء.
فأجاب آدم وأظهر فضله عليهم. فقال الله تعالى مذكّراً لهم بإحاطة علمه: ألم أقل لكم إني أعلم كل ما غاب في السماوات والارض، وأعلم ما تُظهرون في قولكم، ما تخفون في نفوسكم!!
وفي هذه الآية دليل على شرف الإنسان على غيره من سائر المخلوقات حتى الملائكة، وانه أفضلهم. وفيها دليل على فضل العلم على العبادة، وان العلم أساسٌ مهم في الخلافة في هذه الأرض، فالأعلم هو الأفضل، يؤيد ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. ولقد قام الدين الإسلامي على العلم، فلمّا تأخر المسلمون عنه تقدّمهم غيرُهم.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ...} الآية اذكرُ يا محمد حين قلنا للملائكة اسجُدوا سجود خضوع وتحيّة لآجم (لا سجود عبادة، فالمعبود هو الله وحده) فصدعوا للأمر الرباني وسجدوا. وقد جاء السجودُ في القرآن بمعنى غير العبادة كما هو هنا، وفي سورة يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} [يوسف: 100] أي تحيةً، كما هي العادة التي كان الناس يتبعونها في تحية الملوك والعظماء.
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون الا أبليس أبى وامتنع. لقد استكبر، فلم يطع أمر الحق، ترفعاً عنه، وزعماً بأنه خيرٌ من آدم، كما ورد في سورة الأعراف {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الاعراف: 12]. وكان من الكافرين بِنِعم الله وحكمته وعلمه.
وقد التبسَ على بعض الغربيّين أمرُ السجود، وذلك ديدنُهُم في النقد كلّما وجدوا له فرصة في قصص القرآن. قال: بابيني الايطالي صاحب كتاب الشيطان: انه يستغرب ان يؤْمر إبليس بالسجود لآدم مع غلوّ القرآن في تحريم الشِرك وتنزيه الوحداينة الإلَهية. فهو إما أنه لا يعرف ان السجود قد يكون للتحية والتكريم. أو انه من اولئك المتعصّبين الذين لا يريدون أن يفهموا. وهؤلاء لا حيلة لنا معهم، وهم في الغرب كثيرون.
وإبليس: أشهر اسم للشيطان الأكبر، ومن أشهر أسمائه في اللغات: لوسيفر و بعلزبول و مغستوفليس و عزازيل. وقد تقدم أن الشيطانَ كل عاتٍ ومتمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، وهذا الأسماء تمثل قوةَ الشر الكبرى في العالم في موقفها أمام عوامل الخير والكمال.
والشيطان كلمةٌ عربية أصيلة، لأن اللغة اشتملت على كل أصل يمكن اني تفرع منه لفظ الشيطان، ففيها مادة شط وشاط وشطَنَ وشَوَط، وكل هذه الألفاظ تدل على البُعد والضلال والتلهُّب الاحتراق. وهي تستوعب أصول المعاني التي تُفهم من كلمة شيطان. وقد كان العرب يسمّون الثعبان الكبير شيطاناً، وبذلك فسّر بعض المفسّرين قوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65] أي الأفاعي، وورد كثيرا في الشعر العربي.
ويرى بعضهم ان إبليس مأخوذ من الإبليس، ومعناه النَّدم والحُزن واليأس من الخير، فيما يقول بعضهم إنه أعجمي..
لكنه على كل حال يدل على الفتنة والفساد.
وإبليس من الجن، لما ورد بصراحة في القرآن {وَإِذَا قُلْنَا للملاائكة اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
قال الزمخشري: جنّيُّ الملائكةِ والجن واحد، لكن من خَبُثَ من الجن وتمرد شيطان، ومن تطهّر ملَك. وقال الراغب: الجن يقال على وجهين احدُهما للروحانيين والمستترين عن الجواس كلها بإزاء الإنس، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة كلها.
ويقول في تفسير المنار: وليس عندنا دليل على أن بين الملائكة والجن فصلاً جوهرياً يميمز أحدهما عن الآخر وانما هو اختلاف أصنافٍ عندما تختلف أوصاف، كما ترشد اليه الآيات. وعلى كل حال فانّ جميع هذه المسمّيات بهذه الأسماء من عالم الغيب لا نعلم حقائقها ولا نبحث عنها فعلينا ان نؤمن بها كما وردت.
ولا يهمنا ان كان ابليس من الملائكة أو من الجن، فهذا جدلٌ لا طائل تحته، والمهم انه عصى ربه وأصبح عنواناً على الشر والطغيان.


قد عُلم مما تقدم ان حقيقة كل أمور التكوين والخلق ونشأة الإنسان أمرٌ يفوضه السلَفُ إلى الله تعالى، ويكتفون بظاهر اللفظ فيه.
اما الخلف فيلجأون إلى التأويل، وأمثلُ طرقه في هذا المقام التمثيل.
وقد مضت سنّة الله في كتابه ان يُبرز لنا الأشياء المعنوية في قوالب العبارة اللفظية ويبين لنا المعارف المعقولة بالصور المحسوسة، تقريباً للأفهام. ومن ذلك انه عرّفنا قيمة أنفسنا، وما أُدعته فطرتُنا مما تمتاز به على سائر المخلوقات. فعلينا والحال هذه ان تجتهد في تكميل أنفسنا بالعلوم التي خلقنا الله مستعدّين لها من دون الملائكة وسائر الخلق.. بذلك تظهر حكمته فينا، ونشرف، على معنى إعلام الله الملائكةَ بفضلِنا عليهم ومعنى سجودهم لأصلنا.
فمجمل الآيات السابقة ان هذا العالَم لما استعدّ لوجود هذا النوع الانساني واقتضت الحكمة الإلَهية استخلافه في الأرض أعلم الله تعالى الملائكةَ بذلك. وقدّر الملائكة انه يفسد النظام ويسفك الدماء، حتى اعلمهم الله ان علمهم لم يحط بمواقع حكمته. ثم أوجد آدم وفضّله بتعليمه الأسماء كلها، فيما كلُّ صنف من الملائكة لا يعلم الا طائفة محدودة منها. لذلك أمرهم الله بالخضوع لآدم فأطاعوه الا روحاً واحداً هو مبعث الشر، أبى الخضوع واستكبر عن السجود. فكان بذلك من الكافرين.
ومجمل الآيات هنا: إن الله تعالى لما خلق آدم وزوجته أسكنهما الجنة وقال لهما: اسكنا فيها، وكُلا منها ما تشاءان، من أي مكان وأي ثمر، ولا تقربا شجرة معينة، لتأكلا منها، وإلا كنتما من الظالمين العاصين. لكن ابليس الحاسد لآدم، الحاقد عليه، أخذ يغريهما بالأكل من تلك الشجرة حتى زلاَ فأكلا منها. عند ذلك أخرجهما الله مما كان فيه من النعم وأمرهما أن يعيشا في هذه الأرض، وذرّيتهما من بعدهما، ويكون بعضهم لبعض عدوّا. وأبلغهم أن لهم في الأرض استقراراً، وتيسيراً للمعيشة إلى أجل معين، لأن هذه الدنيا فانية والدار الآخرة هي الباقية.
{فتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} يعني ان الله تعالى ألهمه بعض الدعاء وهي قوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} فتاب عليه، أي رجع عليه بالرحمة والقبول {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} الذي يقبل التوبة عن البعد إذا اقترف ذنباً ثم ندم على ما فرط منه. انه هو الذي يحفّ عباده بالرحمة إذا هم أساؤوا ورجعوا اليه تائبين.
وقد جاءت هذه الآيات ليعتبر الخلقُ ببيان الفطرة الآليهة التي فَطَر الله عليها الخلق، الملائكة والبشر، وليدركوا ان المعصية من شأن البشر، فكأنه تعالى يقول: لا تأسَ يا محمد على القوم الكافرين، ولا تبخع نفسك على أن لم يؤمنوا برسالتك، إن الضعف موجود في طبائعهم.
انظر ما وقع لآدم وما كان منه، وسنّة الله لا تتبدل.
وقد استقر أمر البشر على أن سعادتهم في اتّباع الهداية الإلَهية، وشقاءهم في الانحراف عن سبلها.
والجننة المرادة هنا أمرٌ اختلف فيها المفسرون. فقال بعضهم انها جنة الخُلد، أي دار الثواب التي اعدها الله للمؤمنين يوم القيامة. قال ابن تيمية وهذا قول أهل السنّة والجماعة، ومن قال غير ذلك فهو من الملحِدة، ولا أدري كيف يجرؤ غفر الله له على هذا القول ويجعل من قال به ملحِدا، وعلى رأس القائلين بذلك إمامان جليلات هما أبو حنيفة والماتريدي وكثيرون غيرهم.
وقال كثيرون ان تلك الجنةى بستان في الأرض وليست هي جنة الخلد. وعلى هَذا جرى أبو حنيفة وتبعه أبو منصور الماتريدي في تفسيره حيث قال: نحن نعتقد ان هذه الجنة بستان من البساتين، كان آدم وزوجته منعمين فيها وليس علينا تعيينها ولا البحث عن مكانها.
وقال الأولي في تفسيره: روح المعاني، ومما يؤيد هذا الرأي:
01 أن الله خلق آدم في الأرض ليكن خليفة فيها هو وذريته.
02 أنه تعالى لم يذكر أنه بعد خلْق آدم في الأرض عرج به إلى السماء، ولو حصل لذُكر، لأنه أمر عظيم.
03 أن الجنة الموعود بها لا يدخلها إلاَّ المتقون المؤمنون، فكيف دخلها الشيطان الكافر للوسوسة!
04 أنها دار للنعيم والراحة، لا دار تكليف وقد كُلف آدم وزوجه ألا يأكلا من الشجرة.
05 أنه لا يُمنع من في الجنة من التمتع بما يريد منها.
06 أنه لا يقع فيها العصيان والمخالفة لأنها دار طهر، ولا دار رجس.
وعلى الجملة، فالأوصاف التي وصفت بها الجنة الموعود بها لا تنطبق على هذه الجنة التي سكنها آدم وطرد منها.
أما الشجرة التي نُهي آدم وزجته ان يأكلا منها فلم يبيّن الله في كتابه نوعها، ولم يَرد في السنّة الصحيحة تعيينها، فلا نستطيع ان نعيّنها من تلقاء أنفسنا بلا دليل قاطع.
وقال الاستاذ العقاد في كتابه: المرأة في القرآن ان قصة الشجرة الممنوعة التي أكل منها آدم وحواء هي الصورة الانسانية لوسائل الذكَر والأنثى في الصلة الجنيسة بين عامة الأحياء، الرجل يريد ويطلب، والمرأة تتصدى وتغري. وتتمثل في القصة بداهة النوع في موضعها، أي حيث ينبغي ان تتمثل أول علاقة بين اثنين من نوع الانسان. وقد وردت القصة في القرآن في ثلاثة مواضع، ووردت في الاصحاح الثالث من سِفر التكوين. وفي الاصحاح الحادي عشر من العهد الجديد في كتاب كورنثوس الثاني، والاصحاح الثاني في تيموثاوس.
وهي تعبّر برموزها السهلة عن بداهة النوع المتأصلة في ادراكه للمقابلة بين الجنسين، وعن دور اكل منهما في موقفه من الجنس الآخر، على الوجه الوحيد الذي تتم به ارادة النوع، والمحفاظة على بقائه.
وخلاصة القول: إن ثمرات هذه الشجرة هي ثمرات التكليف بجميع لوازمه ونتائجه، وما كان الفارق بين آدم قبل الأكل منها وبعد الأكل الا الفارق بين الحياة في دعة وبراءة، والحياة المكلّفة التي لا تخلو من المشقة والشقاق والامتحان بالفتنة ومعالجة النقائص والعيوب. وكلّما تكررت القصة في الآيات القرآنية كان في تكرارها تثبيت لهذا المعنى على وجه من وجوهه المتعددة. يبدو ذلك جلياً من المقابلة بين ما تقدم، وما جاء عن هذه القصة في سورة الأعراف، وذلك حيث يُذكر التصوير بعد الخلق، أو اعطاء الصورة بعد اعطاء الوجود...
وفيها يتبين ان من تمام التوكيد لحدود التكليف في هذه القصة ان خطاب آدم به لا يغني عن خطاب بنيه وأعقابه، فهو مكلَّف وهم مكلَّفون، وخطيئته لا تُلزمخم وتبوته لا تغنيهم. اما مولدهم منه فإنما يُخرجهم على سنَة الأحياء المولودين حيث يحيون وحيث يكّرمون ويموتون.
واما قضية عصيان آدم ومخالفته فقد تكلم فيها المفسرون، والمستشرقون الغربيون، وتخبطوا في ذلك. والحق ان قليلاً من النقاد الغربيين من يفطن للخاصة الاسلامية التي تتمثل في قصة آدم هذهز اذ الغالب في أوساطهم ان يتكلموا عن زلة آدم فيسمّوها سقوطا ثم يرتبوا عليها ما يترتب على السقوط الملازم لطبيعة التكوين. هذا مع انه ليس في القرآن أثر قط للسقوط بهذا المعنى في حق كائن من الكائنات العلوية أو الأرضية، وانما هو انتقال الإنسان من حال إلى حال أو من عهد البراءة والدعة إلى عهد التكليف والمشقة.
وجوهر المسألة في القصة ان القرآن الكريم لم يذكر قط شيئاً عن سقوط الخليقة من رتبة إلى رتبة دونها، ولا سقوط الخطيئة الدائمة بمعنى تلك التي يدان فيها الإنسان بغير عمله. انه لا يعرف ارادةً معاندة ف يالكمون لإرادة الله يكون من أثرها ان تنازعه الأرواحَ وتشاركه في المشيئة وتضع في الكون أصلاً من أصول الشر.
لقد جاء الإسلام بهذه الخطوة العظمى في أطوار الأديان فقرر في مسألة الخير والشر والحساب والثواب أصحَّ العقائد التي يدين بها ضمير الانسان، وقوام ذلك عقيدتان:
أولاهما: وحدة الارادة الالَهية في الكون.
والثانية: ملازمة التبعة لعمل العامل دون واسطة أخرى بين العامل وبين ضميره وربّه.


{قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً..} أي آدم وحوّاء وابليس، فقد انتهى طور النعيم الخالص الذي كنتم فيه، وادخلوا في طور لكم فيه طريقان: هدًى وايمان، وضلال وخسران؛ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} عن طريق رسولٍ مرشد وكتاب مبين فإن لكم الخيار. فمن تبع هداي الذي أشرعه وسلَكَ صراطي المستقيم الذي أوضحه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من وسوسة الشيطان وما يعقبها من الشقاء والعذاب بعد يوم الحساب والعرض على الملك الديّان، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على فوت مطلوب أو فقد محبوب، لأنهم يعلمون بهذه الهداية ان الصبر والتسليم مما يرضى الله ويوجب مثوبته، فيكون لهم من ذلك خير عوض عما فاتهم، وأفضل تعزية عما فقدوه.
والهبوط في {اهبطوا} أصله الانحدار على سبيل القهر، ويجوز أن يُقصد به هنا مجرد الانتقال كما في قوله تعالى: {اهبطوا مصراً} أي ارتحِلوا اليها.
وقد أمر الله تعالى آدم وحواء وإبليس بالهبوط مرّتين:
الاولى، للاشارة إلى أنهم يهبطون من الجنة إلى دار بلاء وشقاء، ودار استقرار في الأرض للتمتع بخيراتها إلى حين.
والثانية، لبيان حالهم من حيث الطاعة والمعصية، وانهم ينقسمون فريقين: فريق يهتدي بهدى الله الذي أنزله وبلّغه للناس على لسان رسُله، وفريق سار في الضلال وكذّب بالآيات، فحق جزاؤهم في جهنم خالدين فيها أبدا. وهم المشار اليهم بقوله تعالى: {والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
والآيات جمع آية: وهي العلامة الظاهرة، وكل ما يدل الإنسانَ ويرشده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8